ملخص المقال
الارتباط بالمنهج لا بالأشخاص مبدأ أصيل في الدعوة لا بد أن يعرفه الناس ويصل إليهم بكل الوسائل
لم يكن بين هارون u وسحرة فرعون مناقشة ولا حوار، ولا ألقى لهم عصًا ولا أخرج لهم يدًا بيضاء، ومع ذلك قالوا {آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} [طه: 70]. وسبب ذلك أنهم أرادوا الإعلان أن إيمانهم بالمبدأ والمنهج لا بالشخص والمعجزة فقط، وكأنهم يقولون: آمنا برب هارون الذي لم يحاورنا ولم يبطل سحرنا، تمامًا كما آمنا برب موسى u.
ويوم حلَّ الحدث العظيم والخطب الجسيم بوفاة المصطفى r ذهلت عقول الصحابة، وانعقدت ألسنتهم، ولم يصدق بعضهم الأمر؛ لأنهم فجعوا فيمن تعلقت به قلوبهم محبةً وتقديرًا، وارتبطت به حياتهم قدوةً وتعليمًا. وهنا قام أبو بكر الصديق t معلنًا أن الارتباط بالمنهج أساس الاستمرار، فقال: "من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت".
وهذا يدل على أن المحبة والوفاء للمصطفى r وحسن الفهم والتعلم منه، هو الارتباط بمنهجه والتمسك بسنته، ورفع رايته دون ضعف ولا خور، وهكذا فعل أبو بكر الصديق t في خلافته.
ومن هنا لا بُدَّ للداعية أن يعرف أن (الارتباط بالمنهج لا بالأشخاص) مبدأ أصيل في الدعوة، لا بد أن يلقنه للناس ويوصِّله لهم من خلال كلماته وكتاباته، وأن يطبعه في نفوس المدعوين من خلال مواقفه وأحواله، وذلك يعود عليه وعلى الناس بالفائدة، ويحميهم من الزيغ والانحراف.
فالداعية يعرف بهذا المنهج نفسه ويقدرها قدرها فلا يغرّه ثناء الناس ومبالغتهم في وصفه بما ليس فيه، بل يكون حذرًا من مثل هذا، بحيث لا يقبل المبالغة في الاقتداء به والمدح له، وإن رأى غلوًّا فيه ردَّد مقولة أبي بكر t: "اللهم اجعلني خيرًا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون".
واستمع إلى نصيحة عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- وهو يقول: "لا يغلبن جهل الناس بك علمك بنفسك". فالداعية يتعلم التواضع ويدرك أن الفضل والمنّة لله أولاً وآخرًا، ويستحضر قوله تعالى: {وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6]. ويتأسى بقول ميمون بن مهران لما قال له رجل: "يا أبا أيوب، ما يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم". فلم يفرح بذلك وينتفخ تعاظمًا وكبرياءً بل قال: "على شأنك، ما يزال الناس بخيرٍ ما اتقوا ربَّهم".
ومع ما سبق يدرك الداعية أيضًا أن الله ناصر دينه به أو بغيره، فالشرف والفائدة له أنه هو بذل واجتهد، وأنه تخلى ونكص؛ فالركب ماضٍ والدعوة سائرة وهو الخاسر الأكبر، ولن تتوقف المسيرة بوقوفه {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [محمد: 38].
فأنت -أيها الداعية- مهما بلغت وبذلت عبد ضعيف، فخذ العبرة من الداعية المجاهد نور الدين محمود قال له قائل: بالله لا تخاطر بنفسك، فإن أصبت في معركة لا يبقى من المسلمين أحد إلا أخذه السيف. فقال محمود: "ومن محمود حتى يقال هذا؟! حفظ الله الإسلام قبلي، لا إله إلا هو".
والناس يستفيدون من هذا المنهج استقلال شخصياتهم، ويعلمون أنهم متعبدون بالكتاب والسُّنَّة، وأن العالم والداعية له فضل وقدر، لكنهم ليسوا إمّعات يتبعونه في كل شيء وإن كان خطأً! بل كما أوصاهم المصطفى r: "ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم".
ثم هم يعصمون من الانحراف في تقديس الأشخاص أو الخطأ في المفاهيم والتصورات، وهذا ما قصده عمر t عندما قال: "لأنزعَنَّ خالدًا حتى يُعلَم أن الله إنما ينصر دينه"، يعني بغير خالد. وهذا كله لا يطغى على أهمية القدوة، أو يلغي أثرها، ولكنه يضع الأمور في نصابها.
المصدر: موقع إسلاميات.
التعليقات
إرسال تعليقك